إطلاق تجريبي
51
منذ سنتين
تمهيدًا لهذا البحث، نود أن نجذب انتباه المهتمين في هذا المجال بألاّ نحاول وأن نجتنب إصلاح المخطوطات الأثرية قدر المستطاع، ويجب علينا البحث عن طريقة للحفاظ عليها كما هي على الأقل، وأن نمنع تدَهور حالتها إلى الأسوأ. ففي بعض الأحيان يصبح الإصلاح بحد ذاته من الأسباب القاضية على القيمة الأثرية للمخطوطات التاريخية. وكذلك الشأن في الصحف القديمة، إن طرق الإصلاح التقليدية لا تعتمد على استخدام المواد الكيميائية وبذلك فهي لا تعتبر من الأساليب المعيبة، وأثبتت النتائج – التي حصل عليها على مدى التجارب المتتالية – أن الطرق التقليدية للصيانة الأولية أفضل من الطرق العلمية الحديثة.
عيوب الورق وصيانته على الطريقة التقليدية، يتم على مراحل، هي:
يقال إن رفوف المكتبات في إيران تُصنع من خشب الأرز، الذي من ميزاته أنه يمنع نفوذ الآفات والحشرات المؤذية للكتب. ومن الأمثلة على هذا أنه شوهد كتاب في أسكفّة مكتبة القدس، وكانت حافاته شديدة السواد، فاعتقد المسؤولون أنه قد تعرض إلى درجة عالية من الضّرر والتلف، إلى حدّ أنهم امتنعوا حتى عن لمسه؛ إلى أن اكتشفوا في الآخر أنه كتب في ظهر الصفحة الأولى من المخطوط ما يلي: (لقد صبغتُ حافات هذا الكتاب بمسحوق خشب الأرز المغلي، وذلك من أجل الحفاظ عليه من آفة الحشرات).
إن أغلب الأضرار تحدث بسبب الجهل بأساليب الصيانة وعدم فهم الأضرار الكامنة، مثل تعفن الورق والغلاف، إثر تعرض للماء، وتعرض للحرائق وآفات الحشرات والجرذان والصراصير والأرضة.
في البلاد المجاورة للصحاري الملحية، توجد الديدان الآكلة للكتب التي تصيبها ببعض الأضرار الجزئية. ففي منطقة الشمال، تُتَّبع طريقة تقليدية للإصلاح والصيانة، وهي وضع أوراق نباتية أو مسحوق التبغ بين أوراق الكتاب، وهذا بدوره يساعد على الحدّ من ضرر آفات الحشرات، إضافة إلى ذلك الحاجة للهواء الطلق غير الملوث، مع قدر محدد مناسب من النور يساعد على حماية الكتب من الآفات.
بعد هذه المرحلة نأتي بالورق النشّاف ونمسح به الورق المغسول وذلك من أجل امتصاص رطوبته.
يصنع محلول النشا من ورد الخّتمي أو من النشا أو من بياض البيض وبذور نبات الحلبة، وأفضلها ما صنع من النشا.
والجدير بالذكر هنا هو أنه عند خلط الألوان السابقة الذكر بعضها ببعض، يمكن الحصول على ألوان متعددة، كما أن هذه الألوان أغلبها ثابتة، وذلك لأنها مستخرجة من النباتات.
أولاً نأتي بالنشا ونضعه في وعاء قليل العمق أو في صينية، ثم نأتي بألوان مائية أو زيتية على حسب الرغبة، ونبدأ بتقطير هذه الأصباغ بواسطة ريشة رفيعة أو بواسطة عود رفيع من القش على سطح غراء النشا. ونبدأ برسم النقوش المطلوبة بواسطة مشط خاص لهذا الغرض.
وبعد ذلك نأتي بصفحة بيضاء ونضعها على هذا السطح الملون وبذلك تنتقل وتنطبع هذه النقوش على الورقة.
وأخيرًا يمكن استخدام نوع من الورق المجفف لمسح النقوش والرسوم الموجودة على سطح السائل اللاصق حتى يمكن الحصول على نقوش مختلفة عند تكرار ما سبق ذكره، مع تغيير الألوان والنقوش. وهذه العملية تحتاج إلى درجة عالية من الدقة والخبرة.
وبعد أن حصلنا باستخدام الطرق السابقة الذكر على الورق المناسب للكتاب المتضرر، من حيث الحجم واللون، نعمل على فصل متن الكتاب عن حاشيته ومن ثم نعمل على قص حواف المتن وترقيعه بمقدار 2- 3 مليلتر بواسطة الشفرة التي تسمى في بعض الأحيان بآلة قياس أيضا. ومن بعد نأتي بالأوراق التي تم تحضيرها ونعمل منها كتابا جديدًا، وبعدها نتولى قص وسط أوراق الكتاب الجديد، بحيث تكون حجمها أقل بقليل من حجم المتن المعد لهذا الغرض، كما لو كان للمتن إطار، ومن ثم نعمل على لصق القطعتين وهما المتن القديم وحاشية الورق الجديد ببعض، بواسطة النشا أو الغراء.
وتكمن مهارة هذا العمل عندما تلمسه لا يتحرك ولا يتغير من وضعه شيء، ويمكن باستخدام رسم الجداول بالألوان الذهبية، والآسمانجونية وغيرها بطريقة جذابة بحيث يمكن تغطية منطقة الاتصال بين الوصلة والأصل، ولكن تجدر الإشارة هنا إلى أنه لكل عصر جدول خاص به ولهذا يجب الأخذ بعين الاعتبار تاريخ نسخة الكتاب المطلوب تناوله.
أحسن أنواع اللصق لعملية ترميم الآثار الإسلامية وإصلاحها هو النشا والغراء، وذلك لأنهما مستخرجان من النباتات ولا يصيبان الأوراق والمطبوعات بأي نوع من الإضرار. وينبغي الاحتفاظ بالنّشا لمدة طويلة تبلغ قرابة العامين على الأقل، وذلك لقتل جميع ميكروباته التي تحتوي بدورها على مواد غذائية لبعض الكائنات الحية.
والغراء يستخرج من جذور نبات ياباني، ويكون فيه بعض اللون، وهذا بدوره ينتقل إلى الورق الأبيض عند استخدامه. وقد اهتدى المهتمون في هذا المجال مؤخرًا إلى طريقة يمكن بها الفصل هذا اللون عن سائل الصمغ الطبيعي. وقد أثبتت التجارب أن الصّمغ الطبيعي لا يصيب الورق بأي ضرر، وبالإضافة إلى ذلك فهو ثابت في مكانه. وعملية صنع الغراء من الصمغ الطبيعي تحتاج إلى الدقة والمهارة.
إذا كانت حافات الكتاب متضّررة، فالعملية تصبح سهلة، وذلك باستخدام الورق المناسب ولصقه بالوصلة المناسبة له. أما في حالة ما إذا كان الورق المتضرر سميكا فيستلزم تبطينه، وذلك يتم بتقسيم الورق المتضرر إلى شقين ولصق وصلة رفيعة مناسبة فيما بينهما. على سبيل المثال: تجدر الإشارة إلى المصحف رقم 108 المكتوب بخط ياقوت المستعصمي في سنة 604 للهجرة الذي رقمه المغفور له المرحوم مُلاّ حسين صحافباشي مؤسس مؤسسة التجليد التقليدي، وقد تم إصلاحه بالطريقة السالفة الذكر، وهي العمل على تقسيم كل ورقة إلى شقين أو ثلاثة ثم يأتي بورقة مناسبة وتحل محل القسم الأوسط. وكذلك مصحف القرآن رقم 192 الذي يعدّ من عجائب أعمال فن التجليد التقليدي. ويُحتفظ بهذين المصحفين في سدة مكتبة القدس الشريف.
في بعض الأحيان يعثر على آثار نقش أحد أطرافها بنقوش ثمينة بينما تكون مخطوطة أو لها نقوش مختلفة في طرفها الآخر، في هذه الحالة نستطيع تقسيم هذه القطع إلى قسمين وتجعل من كل واحدة منهما قطعة مستقلة بذاتها، وذلك حتى يسهل عرضها، وفي بعض الأحيان يمكن عمل متن وحاشية أيضًا، وذلك باستخدام الألوان أو محاليل الأصباغ أو نقوش معينة، والاستفادة منها، وعملية تبطين الورق هذه، تتم باليد فقط، وهي من المهن الحرفية المتوارثة في العائلة الواحدة من جيل إلى جيل.
نشير باختصار إلى موضوع تحضير كرتون التجليد، حيث كانت المجلدات القديمة تحضر بطريقتين، وهما:
نضع طبقات من الورق الأبيض العادي أو الورق المستعمل الذي لا يُستفاد منه بعضها على بعض، إلى أن نحصل على السمك المطلوب، ثم نأتي بطبقة مناسبة ونغلف ما سبق. أغلب هذه المجلدات معرضة للتلف، وذلك بسبب الرطوبة حيث تعمل الرطوبة على تفكك طبقات الورق. ولمعالجة هذه المشكلة يمكن حقن الغراء بين طبقات الورق وضغطها إلى أن تعود إلى حالتها الأولى.
في حالة ما إذا كانت الأغشية المصنوعة من عجينة الكرتون تالفة، يمكن إرجاعها إلى حالتها الأولى بحقن الغراء أيضًا. فإذا كان الغلاف نفسه قد انكسر إلى قسمين، نعمل على تفكيك طبقات ورق كل من القسمين المنكسرين بالمقدار اللازم وتبديل بعض الطبقات القديمة بطبقات من الكرتون الجديد، وبعد ذلك نلصق القسمين المنفصلين ببعضها. وفي بعض الأحيان يكون كرتون الغلاف قد تعرض للتلف بدرجة شديدة جدًا، ففي هذه الحالة لا يمكن إصلاحه بالغراء وحدها، بل يجب فصل الغلاف بكامله إلى قسمين، ثم نأتي بقطعة من الكرتون المناسب ونضعها في وسطهما ونلصقهما بقطعة الكرتون هذه من طرفيها، ثم نأتي بشريط من الجلد الناعم ونغطي به حافات الغلاف. أما خط الحد الفاصل فيمكن إخفاؤه وتغطيته برسم جدول بخطوط ذهبية، وهذا العمل يحتاج إلى اتباع التعليمات والإرشادات الخاصة به.
وتجدر الإشارة إلى أنه من أجل تزيين الورق وجعله يبدو قديمًا، فإن الأمر يتطلب خبرة في هذا المجال، بالإضافة إلى القدرة على الابتكار. وهكذا تلون أطراف الورق عادة بألوان جميلة غير منظمة، وبعد ذلك تُحكّ هذه الألوان والنّقوش بورق «الصنفرة» الناعم جدًا، وبهذا تبدو الورقة كما لو كانت قديمة. ويمكن استخدام الألوان الخشبية أحيانا لهذا الغرض أيضًا.
ملاحظة: نشر هذا النص في الكتاب التالي: صيانة وحفظ المخطوطات الإسلامية : أعمال المؤتمر الثالث لمؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي، لندن 18-19 نوفمبر 1995 – النسخة العربية، مؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي، لندن، ص . 242-233 يرجى الملاحظة بأن بعض الصور المستخدمة في هذه المقالة المنشورة على الموقع قد لا تكون جزءًا من نسخة المقالة المنشورة ضمن الكتاب المعني. |
المصدر: الفرقان
Powered by Froala Editor