إطلاق تجريبي
5
منذ سنة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فهذه بعض الأخطاء التي يقع فيها بعض طلاب العلم، أحببت أن أجمعها في هذه الرسالة نصحًا لهم، وهي أخطاء في التصورات والظنون، وفي طرق تحصيل العلوم، وفي العبادات، وفي المعاملات، وفي الخطب والدروس والمحاضرات، وفي الدعوة، وفي الأخلاق، وبعض الأخطاء تقصير في واجبات، وبعضها وقوع في محرَّمات، وبعضها غفلة أو تكاسل عن سنن وقربات، وبعضها أخطاء في تقديم بعض المفضولات على أمور فاضلات، ومعظم هذه الأخطاء لا يختلف اثنان في كونها خطأً وتقصيرًا، وبعضها محل اجتهاد ويسع فيها الخلاف، وربما أذكر دليلًا أو نقلًا نفيسًا لبعض العلماء في بيان خطأ وتقصير قد يخفى على بعض الطلاب، وهذه عشرون خطأً من أخطاء بعض طلاب العلم، ذكرتها بقصد التنبيه عليها للحذر منها، وأسأل الله أن يجعلها نصيحة خالصة موفقة، وأن ينفع بها كاتبها وقارئها:
1- عدم الحرص على الإخلاص في طلب العلم وتعليمه والدعوة إلى الله، وفي أداء العبادات وسائر الأحوال، وعدم محاسبة النفس على التقصير في ذلك، وعدم الخوف من حبوط العمل بسبب الرياء والسمعة، وعدم الإكثار من الاستعاذة من الرياء، وقد ثبت في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لأبي بكر الصديق رضي الله عنه: (يا أبا بكر، للشرك فيكم أخفى من دبيب النمل)، فقال أبو بكر: وهل الشرك إلا من جعل مع الله إلهًا آخر؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((والذي نفسي بيده، للشرك أخفى من دبيب النمل، ألا أدلك على شيء إذا قلته ذهب عنك قليله وكثيره؟ قل: اللهم إني أعوذ بك أن أُشرك بك وأنا أعلم، وأستغفرك لما لا أعلم))؛ رواه البخاري في الأدب المفرد (716)، وصححه الألباني في صحيح الأدب المفرد (555).
وعن محمود بن لبيد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر: الرياء))؛ رواه أحمد (23630)، وصححه الأرنؤوط في تحقيق المسند، والألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة (951).
2- عدم المعرفة الكاملة بقدر العلم وفضله، وأنه حِمْلٌ ثقيل؛ كما قال تعالى: ﴿ إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا ﴾ [المزمل: 5]، فالعلم ثقيل يتحمله من كل خَلَفٍ عدولُه، ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين، ويعيشون للعلم والعمل به وتعليمه، فكثير من الطلاب ينقطع عن طلب العلم، ولا يثبت على تحصيله وحفظه وضبطه ومراجعته، ولا يصبر ويصابر على طلب العلم، والعمل به وتعليمه، والدعوة إلى الله بالعلم، ولا يقاوم الشهوات والعوائق والعقبات التي تصده عن طريق العلم، وكثير منهم يتأثر بالشبهات ويتبع سبيل الجاهلين، ويرضى بما معه من العلم، ومن ثبتَ نبت، ومن صبر قدر، ومن أصلح نيته وفقه الله، ومن استعان بالله أعانه.
3- عدم الإكثار من ذكر الله كما أمرنا الله بقوله: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا ﴾ [الأحزاب: 41، 42]، وكما وصف عباده بقوله: ﴿ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ ﴾ [آل عمران: 191]، وفي حديث عبدالله بن بسر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يزال لسانك رطبًا من ذكر الله))؛ رواه الترمذي (3375)، وصححه الألباني. وأيضًا عدم الإكثار من دعاء الله، لا سيما بالأدعية المنصوص عليها في القرآن الكريم أو المستنبطة منه، وكذلك الأدعية المأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهي كثيرة معروفة، ولا يحسن بطالب العلم أن يعرفها أو يقرأها ولا يدعو الله بها.
ومن السنن المهجورة: إطالة الدعاء، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يُطيل الدعاء في قيام الليل في سجوده، وثبَت عنه إطالة الدعاء جدًّا في حجه.
ومن السنن المهجورة لدى الكثيرين: الدعاء في آخر ساعة بعد العصر يوم الجمعة ولو وقتًا يسيرًا، وبين الأذان والإقامة ولو في سجوده أو آخر تشهُّده، والدعاء مفتاح كل خير، ولا يحسن بطالب العلم أن يكون عن طلب الخير غافلًا.
وأيضًا عدم الإكثار من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، لا سيما يوم الجمعة، وبعض طلاب العلم إذا ذَكَر النَّبيَّ في حديثه صلى عليه صلاة، يستغربها بعض العوام، فيقول مثلًا: صلى عليه وسلم من غير ذكر لفظ الجلالة، ولا بأس باختصار الصلاة على النبي، فتقول مثلًا: اللهم صل وسلم على محمد وآله، أو اللهم صلِّ وسلم على محمد.
4- تهاون بعض طلاب العلم بالسنن الرواتب، وصلاة الضحى، وصوم ثلاثة أيام من كل شهر، بل بعضهم يتهاون بأذكار الصباح والمساء، والأذكار بعد الصلوات، بل بعضهم قد يتأخر في صلاة الجماعة عن تكبيرة الإحرام، والله المستعان.
5- غفلة بعض طلاب العلم عن غنيمة الجلوس بعد صلاة الفجر في المسجد إلى طلوع الشمس، ثم صلاة ركعتين أو أربع ركعات بعد ارتفاع الشمس قدر رمح، وفي الحديث القدسي المروي عن أبي الدرداء رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الله عز وجل يقول: ابن آدم لا تعجزنَّ من أربع ركعات أول النهار، أكفك آخره))؛ رواه أحمد (27480)، والترمذي (475)، وصححه الألباني والأرنؤوط.
فلا تعجِز أيها المسلم عن اغتنام هذا الوقت المبارك لذكر الله وللحفظ ومراجعة القرآن، ثم صلاة الضحى أربع ركعات، فهو وقت مبارك، ومغبون من يفرِّط فيه، وقد أمر الله بالصبر على الطاعة في هذا الوقت، فقال سبحانه: ﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا ﴾ [الكهف: 28].
وقد وردت أحاديث كثيرة في الترغيب في العبادة في هذا الوقت المبارك، منها حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إن الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، فسدِّدوا وقاربوا، وأبشروا، واستعينوا بالغَدوة والرَّوحة، وشيء من الدُّلجة))؛ رواه البخاري (39)، قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: (أي: استعينوا على مداومة العبادة بإيقاعها في الأوقات المنشطة، والغدوة بالفتح: سَير أول النهار، وقال الجوهري: ما بين صلاة الغداة وطلوع الشمس، والروحة بالفتح: السير بعد الزوال، والدلجة بضم أوله وفتحه وإسكان اللام: سَير آخر الليل، وقيل: سير الليل كله، ولهذا عبَّر فيه بالتبعيض).
وبعض طلاب العلم يغفل أو يكسل عن المرابطة بالمكث في المسجد بين صلاتي المغرب والعشاء، وهو وقت يسيرٌ مبارك، ومن خرج بعد المغرب من المسجد بلا حاجة، فالغالب أنه يضيِّع وقته بلا فائدة، وربما تأخَّر عن صلاة العشاء، فينبغي للمسلم لا سيما طالب العلم أن يحرص على الجلوس في المسجد في هذا الوقت، لتعليم الناس أو لطلب العلم، أو لتلاوة القرآن الكريم، وإن كان الوقت بينهما طويلًا - إن كان يؤخر أذان صلاة العشاء - فهو أكثر للأجر، فهنيئًا لمن وفقه الله لهذا الفضل.
6- من أخطاء بعض طلاب العلم: عدم البداءة بحفظ القرآن الكريم وإتقانه، وكثير من الطلاب يحفظ القرآن في أول طلب العلم، ثم لا يتعاهده بالمراجعة حتى ينساه، فما أكثر طلاب العلم الذين حفظوا القرآن ثم تفلَّت منهم، ولا زالوا يُنسبون إلى حفظ القرآن، وما أقل حافظي القرآن حقًّا الذين يتعاهدونه باستمرار، فهو أشد تفلُّتًا من صدور الرجال من الإبل في عُقلها، فينبغي للطالب الموفق أن يتدارك عمره بالرجوع إلى كتاب ربه، قال النووي رحمه الله في مقدمة كتابه المجموع شرح المهذب في ذكر آداب طالب العلم (1/ 38): (أول ما يبتدئ به حفظ القرآن العزيز، فهو أهم العلوم، وكان السلف لا يُعلِّمون الحديث والفقه إلا لمن حفظ القرآن، وإذا حفظه فليحذر من الاشتغال عنه بالحديث والفقه وغيرهما اشتغالًا يؤدي إلى نسيان شيء منه، أو تعريضه للنسيان).
7- من أخطاء بعض طلاب العلم والدعاة: التقصير في تعلُّم التفسير وتعليمه، مع أن علم التفسير من أحق العلوم بالاعتناء تعلمًا وتعليمًا ودعوة، وما أحسن ما قاله الإمام الشافعي في كتابه الرسالة (ص: 19، 20): "كل ما أنزل في كتابه جل ثناؤه رحمة وحجة، علِمه مَن علِمه، وجَهِله من جَهِله، لا يعلم من جهله، ولا يجهل من علمه، والناس في العلم طبقات، موقعهم من العلم بقدر درجاتهم في العلم به، فحق على طلبة العلم بلوغ غاية جهدهم في الاستكثار من علمه، والصبر على كل عارض دون طلبه، وإخلاص النية لله في استدراك علمه نصًّا واستنباطًا، والرغبة إلى الله في العون عليه، فإنه لا يُدرك خير إلا بعونه، فإن من أدرك علم أحكام الله في كتابه نصًّا واستدلالًا، ووفَّقه الله للقول والعمل بما علم منه، فاز بالفضيلة في دينه ودنياه، وانتفت عنه الرِّيَب، ونوَّرت في قلبه الحكمة، واستوجب في الدين موضع الإمامة، فليست تنزل بأحد من أهل دين الله نازلة إلا وفي كتاب الله الدليل على سبيل الهدى فيها"، ومعلوم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم عندما دعا لابن عباس رضي الله عنهما بالعلم دعا له بالفقه في الدين وتعلم التفسير، فقال: ((اللهم فقِّهه في الدين، وعلِّمه التأويل))؛ رواه أحمد بن حنبل في مسنده (2879) عن ابن عباس بإسناد صحيح، وعن الحسن البصري قال: "ما أنزل الله آية إلا وهو يحب أن تُعلم فيم أُنزلت، وما أراد بها"؛ رواه المستغفري في فضائل القرآن (273)، وقال الشوكاني: "ينبغي للطالب أن يطول الباع في علم التفسير، ويطالع مطولات التفاسير، فإن المعاني المأخوذة من كتاب الله سبحانه كثيرة العدد، يستخرج منها كل عالم بحسب استعداده، وقدر ملَكَته في العلوم"؛ انتهى باختصار وتصرف يسير من كتاب أدب الطلب (ص: 148)، وقال الشوكاني أيضًا في كتابه البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع (2/ 87) في ترجمة محمد بن إبراهيم الوزير بعد أن ذكر جملة من الكتب التي تكفي الطالب في علوم الآلة؛ كاللغة والنحو وأصول الفقه: "مع أن فيها جميعًا ما لا تدعو إليه حاجة، ولا سيما تلك التدقيقات التي في شروحها وحواشيها، فإنها عن علم الكتاب والسنة بمعزلٍ، ولكنه جاء في المتأخرين من اشتغل بعلوم أخرى خارجة عن العلوم الشرعية، ثم استعملها في العلوم الشرعية، فجاء من بعده فظنَّ أنها من علوم الشريعة، فبعدت عليه المسافة، وطالت عليه الطرق، فربما بات دون المنزل، ولم يبلغ إلى مقصده، فإن وصل إليه وصل بذهن كليل وفهم عليل؛ لأنه قد استفرغ قوَّته في مقدماته، وهذا مشاهد معلوم، فإن غالب طلبة علوم الاجتهاد تنقضي أعمارهم في تحقيق الآلات وتدقيقها، ومنهم من لا يفتح كتابًا من كتب السنة، ولا سفرًا من أسفار التفسير.."؛ انتهى باختصار وتصرف يسير.
8- من أخطاء بعض طلاب العلم المبتدئين: الاهتمام بالتفصيلات ودقائق المعلومات قبل إتقان أصول العلم الذي يدرسه، ومن أخطاء بعض المدرسين أن يُشغل الطالب المبتدئ بتلك التفاصيل والدقائق، وبعض المدرسين حين يُدرِّس متنًا مختصرًا يُملي على طلابه المبتدئين فوائد كثيرة من عدة شروح وحواشٍ قبل أن يُتقنوا ذلك المتن المختصر، وليس هذا من الحكمة، ولا من عمل العلماء الربانيين؛ قال الإمام البخاري في صحيحه (1/ 25): (يقال: الرَّباني الذي يُربي الناس بصغار العلم قبل كباره).
9- بعض طلاب العلم لا يهتم بحفظ العلم، ويظن أنه يكفي الفهم عن الحفظ، وهذا خطأ، فقد قال تعالى: ﴿ بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ﴾ [العنكبوت: 49]، وعن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((نضر الله امرأً سمع منا حديثًا، فحفظه حتى يبلغه، فرَّب حامل فقه إلى من هو أفقه منه، ورب حامل فقه ليس بفقيه))؛ رواه أبو داود (3660)، وصححه الألباني، فاحفظ فكل حافظ إمام، ومن حفظ الأصول حاز الفنون، فعلى الطالب أن يهتم اهتمامًا عظيمًا بحفظ القرآن الكريم والأحاديث النبوية، ويتعاهدهما بالمراجعة المستمرة، ويحفظ مختصرًا في كل فن بقدر الاستطاعة، ويحفظ ما تيسَّر له من الأشعار والأقوال وتواريخ الوفيات والأخبار.
10- ألَّف أهل العلم كتبًا كثيرة في بيان فضل العلم والترغيب فيه، وبيان آداب طالب العلم، ولا ينبغي لمن وفَّقه الله لسلوك طريق طلب العلم أن يؤخر قراءتها أو قراءة ما تيسَّر منها، فوقت قراءة هذه الكتب هو أول الطلب، ومع هذا يغفل بعض طلاب العلم عن قراءتها، فهل يريد الطالب الغافل عنها أن يقرأها بعد تحصيله للعلوم، وهي التي تبيِّن له آداب طلب العلم وطرق تحصيل العلوم؟ ومن هذه الكتب: جامع بيان العلم وفضله لابن عبدالبر، والجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع للخطيب البغدادي، وأدب الطلب للشوكاني، وكتاب العلم لابن عثيمين، وحلية طالب العلم، لبكر أبو زيد، والمشوق إلى القراءة وطلب العلم للعمران، وارتياض العلم لمشاري الشثري.
11- من أخطاء بعض طلاب العلم: ترك مذاكرة العلم مع نفسه أو مع غيره، فحياة العلم مذاكرته، وآفة العلم نسيانه، ومن مذاكرة العلم تدريسه، وكتابة البحوث وتلخيص المؤلفات لنفسه، وإن كان أهلًا للتأليف فليؤلف ما ينفع الناس مما يحتاجون إليه بإبداعٍ من غير تكرير.
12- من أخطاء بعض طلاب العلم: الانشغال باختلاف الناس، والإكثار من تتبع الأخبار، وتضييع كثير من الأوقات في وسائل التواصل الاجتماعي، والانشغال بالخلافات وكثرة الخصام والجدال، والتعصب، والوقوع في الغيبة، وعدم تحري العدل؛ كما أمر الله في قوله: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى ﴾ [المائدة: 8].
13- من أخطاء بعض طلاب العلم: التقصير في الاطلاع على كتب التزكية، وقد أخبر الله عن رسوله عليه الصلاة والسلام أنه كان يزكي أصحابه ويعلِّمهم القرآن والسنة، فقال سبحانه: ﴿ لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ ﴾ [آل عمران: 164]، ومن أحسن كتب التزكية المناسبة: مختصر منهاج القاصدين، وتهذيب مدارج السالكين، والفوائد لابن القيم، وكتب الزهد وهي كثيرة جدًّا، ومن أشهرها: الزهد والرقائق لابن المبارك، والزهد لأبي داود.
14- من أخطاء بعض طلاب العلم: التقصير في جوانب من الأخلاق والآداب علمًا وعملًا، مع أن حسن الخلق من الإيمان، وهو أثقل ما يوضع في الميزان، وفي الحديث الصحيح الذي رواه أحمد (8952) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إنما بُعثت لأُتمم صالح الأخلاق))، وقد ألَّف العلماء كتبًا كثيرة في الأخلاق والآداب ينبغي للطالب أن يطلع عليها؛ ككتاب أخلاق أهل القرآن وأخلاق العلماء، كلاهما للآجرُّي، والأدب المفرد للبخاري، أو صحيح الأدب المفرد للألباني، والآداب الشرعية لابن مفلح أو مختصره.
وينبغي للطالب أن يكون مطلعًا على بعض كتب الأدب، ففيها من الشعر والحِكَم والأمثال والأخبار ما يحث على مكارم الأخلاق والآداب، مع تسلية النفوس، وإمتاع العقول، ومن أحسن كتب الأدب: بهجة المجالس لابن عبدالبر، وكتب علي الطنطاوي، ولُبُّها في كتاب روائع الطنطاوي.
15- من أخطاء بعض طلاب العلم: الجهل بالواقع، ويحسن بالطالب أن يكون له اطلاع على بعض الكتب العصرية المفيدة التي تبيِّن له الواقع المعاصر، ويكثر من قراءة فتاوى العلماء المعاصرين، ففيها علم بواقع الناس ومشاكلهم وهمومهم وآمالهم وآلامهم، وفيها بيان كثير من المسائل المعاصرة الجديدة المتنوعة.
16- من أخطاء بعض طلاب العلم: الاستهانة ببعض العلوم الشرعية أو الدنيوية، والحكمة ضالة المسلم أنى وجدها فهو أحقُّ بها، ولا يخلو غالبًا كتاب من فائدة، فخُذْ من كل شيء أحسنه.
17- من أخطاء بعض طلاب العلم المجتهدين في تحصيل العلوم: الغفلة عن إعطاء كل ذي حق حقه، فقد يقصر بعضهم في طاعة والديه ومجالستهم ومؤانستهم، أو يقصِّر في صلة أرحامه، أو يقصِّر في الإحسان إلى جيرانه وإكرام ضيوفه، أو يقصر في الإحسان إلى نفسه وأهله، فليعط كل ذي حقٍّ حقَّه، ومن حق نفسه: أكل الطيبات، والترويح عنها أحيانًا بالمباحات.
18- من أخطاء بعض الطلاب: التقصير في تعليم ونُصح أهاليهم وأقاربهم، وهم أولى بالمعروف من غيرهم، وإن كان كثير منهم قد يزهد في علم الطالب، لكن على الطالب أن يتعاهدهم بالعلم والتعليم والنصح والتوجيه بالطريقة المناسبة، ولو بالواتساب، وبإهدائهم بعض الكتيبات والمطويات، وأما أهله وأولاده فلا بد من الجلوس معهم في حلقات تعليمية ولو أسبوعية، وتشجيعهم على الالتحاق بمدارس التحفيظ وحضور الدروس وقراءة الكتب.
19- من أخطاء كثير من طلاب العلم والعلماء: عدم الاهتمام بالرياضة، فتكثر في بعضهم الأمراض المتنوعة بسبب كثرة جلوسهم بين الكتب، فالحركة بركة، والمحافظة على الصحة مطلب شرعي، فينبغي المداومة على رياضة مناسبة ولو عشر دقائق كل يوم، كالجري أو ما تيسر من تمارين اللياقة البدنية، ففيها نفع عظيم، فاحرص على ما ينفعك، واستعِذ بالله من العجز والكسل.
20- من أخطاء بعض المشتغلين بالعلم: الغفلة عن المقصد من طلب العلم، وأنه العمل به، فليس العلم فقط حفظه من غير عملٍ به، فمن عمل بالعلم كسره العلم، فخشع لله وتواضع لعباد الله، وخاف على نفسه عذاب الله؛ قال الله عز وجل: ﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ﴾ [فاطر: 28]، وقال سبحانه: ﴿ أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ ﴾ [الحديد: 16].
أسأل الله أن يكون في هذه الرسالة المختصرة تنبيه للغافل، وتذكرة للعاقل، ونصح لكل طالب علم وداعية إلى الله، ونحث طلاب العلم بالاطلاع على برنامج تأهيل طلاب العلم المتميزين، وبرنامج إعداد العلماء، للاستفادة منهما في المنهجية في طلب العلم، واختيار الكتب المناسبة، والبرنامج الأول للمبتدئين، والبرنامج الثاني للمتوسطين، وهما كتابان منشوران في شبكة الألوكة، والله الموفق، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
-------------------------------------
د. محمد بن علي بن جميل المطري
المصدر: شبكة الألوكة
Powered by Froala Editor
Powered by Froala Editor
Powered by Froala Editor