إطلاق تجريبي
10
منذ سنة
إنَّ من أوجب الواجبات على المسلم أن يتبصَّر في أمور دينه؛ لكي يتمكَّن من عبادة الله تعالى وَفْق ما شرع من غير زيادة ولا نقصان؛ فقد أكَّدَت الشريعة الإسلامية على أهمية طلب العلـم الشرعي في أكثر من توجيه؛ قـال صلى الله عليـه وسلم: ((طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ))[1]، وقــال صلى الله عليه وسلم: ((مَـنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الـدِّينِ))[2].
ولكن مما يوقع الناس في الجهل، وضعف وضوح الرؤية لكثير من أحكام الدين وحقائقه؛ تفشِّي الجهل، والتقاعس عن طلب العلم الشرعي، والكسل حتى عن سؤال أهل العلم المعتبرين.
ومن الناس من يحرص على الثقافة الدنيوية؛ فتراه يخبرك عن أشياء كثيرة، ودقائق أمور معينة في بعض فنون العلم الدنيوية، وتجده قارئًا من الطراز الأول للصحف اليومية، والمجلات، والروايات، ومشاهدة الأفلام والمسلسلات؛ ولكن للأسف عندما تعرض له مسألة شرعية ظاهرة، تعتريه الحيرة والذهول، وهذا ممن ينطبق عليهم قول الله تعالى: ﴿ يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ ﴾ [الروم: 7].
وليس لأحد اليوم عذرٌ في التقصير في التعلُّم الشرعي، ومعرفة حكم الله تعالى في المسائل التي تعرض له، فالعلوم الشرعية، وكل الوسائل التعليمية، وبمختلف المستويات متاحة ومتوافرة؛ سواء ما كان منها: مسموعًا، أو مقروءًا، أو مرئيًّا، وبأرخص الأثمان إن لم تكن مجانًا، وتُوزَّع بدون مقابل.
وقد يعرض للإنسان المسلم في بعض فترات حياته بعضُ التساؤلات بسبب مشاهدات، أو قراءات، أو سماع لبعض أمور مما لا يعرف حكمه الشرعي، وهذا أمر طبيعي يمرُّ به كلُّ إنسان؛ ولكن الخطورة هنا تكمن في أمرين:
1- إما إهمال هذه التساؤلات؛ وبالتالي يبقى الإنسان جاهلًا، وغير مُلِمٍّ بالحكم الشرعي فيما عرض له من تساؤلات، وقد تكون مهمة وخطيرة.
2- وإما أن يسأل أشخاصًا غير مؤهَّلين تأهيلًا علميًّا كافيًا للإجابة عن هذه التساؤلات، وهنا تكمن المشكلة.
وكلا الأمرين خطير؛ لأنهما يفرزان سلبيات على الفرد والمجتمع.
والرؤية السليمة لهذا الموضوع حدَّدَها القرآن الكريم في قول الله تعالى: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [النحل: 43]، وقوله تعالى: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [الأنبياء: 7].
يقول السعدي رحمه الله عند تفسير قول الله تعالى: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [النحل: 43]: "وعموم هذه الآية فيها مدح أهل العلم، وأن أعلى أنواعه العلم بكتاب الله تعالى المنزل؛ فإن الله جل وعلا أمر من لا يعلم بالرجوع إليهم في جميع الحوادث، وفي ضمنه تعديل لأهل العلم، وتزكية لهم؛ حيث أمر بسؤالهم، وأن بذلك يخرج الجاهل من التبعة؛ فدل على أن الله سبحانه ائتمنهم على وحيه وتنزيله"[3].
ثم يقول رحمه الله عند قوله تعالى: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [الأنبياء: 7] وهذه الآية - وإن كان سببها خاصًّا بالسؤال عن حالة الرسل المتقدمين لأهل الذكر وهم أهل العلم - فإنها عامة في كل مسألة من مسائل الدين: أصوله، وفروعه، إذا لم يكن عند الإنسان علم منها أن يسأل من يعلمها؛ ففيه الأمر بالتعلُّم، والسؤال لأهل العلم، ولم يؤمر بسؤالهم إلا لأنه يجب عليهم التعليم، والإجابة عمَّا علموه، وفي تخصيص السؤال بأهل الذكر والعلم نهي عن سؤال المعروف بالجهل، وعدم العلم، ونهي له أن يتصدَّى لذلك"[4].
فاحرص أخي المسلم - رعاك الله - إنْ عرض لك سؤال معين في أمر من أمور الشرع، أو أمر من أمور الدنيا، ألَّا تسأل إلا شخصًا تثق بعلمه، ودينه، وأمانته؛ حتى تحصل على إجابة شافية، واضحة الرؤية؛ لأنهم أجدر وأعرف وأخبر، ومصداق ذلك قول الله تعالى: ﴿ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ ﴾ [فاطر: 14]، ويقول ابن كثير رحمه الله: "أي: ولا يخبرك بعواقب الأمور، ومآلها، وما تصير إليه مثلُ خبير بها"[5].
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
[1] ابن ماجه؛ سنن ابن ماجه، حديث رقم: 224.
[2] البخاري؛ صحيح البخاري، حديث رقم:71.
[3] السعدي؛ تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، ص 441.
[4] السعدي؛ تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، ص 519.
[5] ابن كثير؛ تفسير القرآن العظيم، ج6، 541.
---------------------------------
المصدر: شبكة الألوكة
Powered by Froala Editor
Powered by Froala Editor
Powered by Froala Editor