الصبر على ما يجده المتعلم من المعلم !

أوراق عربية

2849

منذ سنة

الصبر من الركائز الأساسية التي تقوم عليها التربية الإسلامية، وبالصبر تنال الدنيا والآخرة؛ قال البخاري رحمه الله في صحيحه: "وقوله - عز وجل -: ﴿ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ [الزمر: 10]، وقال عمر: "وجدنا خيرَ عيشنا بالصبر"[1]، ولما قص الله تعالى لنا قصة موسى مع الخضر عليهما السلام، أخبرنا عن النبي المتعلم والنبي المعلم أنهما تجاذبا الوصية بالصبر بينهما فقال تعالى: ﴿ قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا * قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا * وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا * قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا ﴾ [الكهف: 66 - 69].


وقول موسى عليه السلام يوضح هذا الأدبَ الجمَّ مع المعلم؛ حيث قال لمعلمه﴿ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا ﴾ [الكهف: 69].


وقد أشار الإمام ابن مفلح - رحمه الله - إلى هذا الأدب فذكر قصة عائشة رضي الله عنها مع أبناء أخيها، التي أخرجها الإمام مسلم في صحيحه[2]، وأن أحدهما غضب عليها فزجرته ونهته، ثم ذكر - رحمه الله - بعد إيراده القصة عن الإمام النووي رحمه الله، قوله: "وإنما قالت له: غُدَر؛ لأنه مأمور باحترامها؛ لأنها أم المؤمنين، وعمته، وأكبر منه، وناصحة له ومؤدِّبة، فكان حقه أن يحتملها ولا يغضب عليها؛ انتهى كلامه"، ثم قال المصنف - رحمه الله -: "وعلى هذا ينبغي للمستفيد أن يصبر ويحتمل ولا يغضب؛ لئلا يفوته العِلم، ولا يكثر مخالفته"[3].

 

 

ثم ذكر قصة ابن سيرين مع ابن عمر رضي الله عنهما، فقال: "وسأل ابن سيرين ابن عمر عن إطالة القراءة في سنة الفجر، فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل مثنى مثنى ويوتر بركعة"، قلت: لست عن هذا أسألك، فقال: به به إنك لضخم، ألا تدعني أستقرئ لك الحديث؟ ثم ذكره"، ثم قال المصنف - رحمه الله -: "فيه تأديب السائل والتلميذ"، ثم قال ابن مفلح - رحمه الله -: "وقوله: إنك لضخم، إشارة إلى الغباوة وقلة الأدب؛ لأن هذا الوصف يكون غالبًا، وإنما قال ذلك؛ لأنه قطع كلامه وعاجله"[4].

 

 

ومع شدة ما قاله المعلم ابن عمر رضي الله عنهما للمتعلم ابن سيرين، فإن ابن سيرين لم يحفظ عنه أنه رد على معلمه، بل كظمها وصبر، فصار بعدها ابنُ سيرين إمامًا من أئمة الدين، رحم الله الجميع.

 




[1] البخاري، محمد بن إسماعيل البخاري. الجامع المسند الصحيح. (مرجع سابق). باب الصبر عن محارم الله. ج8. ص99.

[2] مسلم، مسلم بن الحجاج النيسابوري. المسند الصحيح المختصر. (مرجع سابق). باب: كراهة الصلاة بحضرة طعام. ج 1. ص393. رقم الحديث (560).

[3] المقدسي، محمد بن مفلح. الآداب الشرعية. (مرجع سابق). ج2. ص177.

[4] (المرجع السابق): ج2. ص177.


-----------------------------------

المصدر: شبكة الألوكة