النص وتفسير النص

النص وتفسير النص

18

منذ سنة

هناك فرق كبير بين قولنا: "قال الله تعالى في القرآن الكريم" وبين: قال أبو حنيفة، أو الشافعي، أو غيرهما من الأئمة، في معنى الآية الكريمة: كذا وكذا، فقول الله تعالى لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وقول من عداه يحتمل الخطأ أو الصواب، إلا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يحكيه عن ربه عزّ وجل.

 

إذاً هناك فرق كبير بين النص الشرعي، من آية أو حديث، وبين فهم العالم العقلاني لهذا النص من آية أو حديث.

لكنّ بعض الناس يعطون فهمهم للنص، أو فهم الإمامِ الذي يتّبعونه، أو العالمِ الذي يحبّونه قدسيةً تقترب من قدسية النص، ويعدّون من خالف فهمهم مخالفاً للنص! ولا يخفى ما في هذا الأمر من البعد عن الحق ّوالصواب. ولهذا السبب ضلّل أقوامٌ أقواماً، وفسقّ أناسٌ أناساً، وربما تجاوزوا ذلك، حتى إن عالماً كبيراً من علماء المدينة المنورة هو ابن أبي ذئب، معاصراً للإمام العظيم مالك بن أنس رحمه الله، حكم على الإمام مالك بأن يُستتاب وإلا يُقتل!! لأنه فهم من حديث «البيّعان بالخيار» فهماً عدّه ابن أبي ذئب – غفر الله له – ردّاً للحديث مع ثبوته عنده!!.

 

إن أكثر نصوص القرآن والسنة تحتمل أكثر من وجهٍ واحدٍ من وجوه التأويل؛ أي: هي (ظنّية الدّلالة)، والبشر متفاوتون في عقولهم، وعلومهم، وقوة فهمهم واستنباطهم، لذلك كان الاختلاف بينهم في فهم تلك النصوص أمراً طبيعياً اقتضته حكمة الله. وشتان بين من يقول: إن هذه الآية خطأ، ومن يقول: إنّ فهم فلانٍ للآية خطأ.

 

روى البخاري ومسلم رحمهما الله عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم لما رجع من الأحزاب قال:«لا يصليّن أحدٌ العصر إلا في بني قريظة»، فأدرك بعضهُم العصرَ في الطريق، فقال بعضهم: لا نصلي حتى نأتَيها، وقال بعضهم: بل نصلّي، لم يُرَد ذلك منّا. فَذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فلم يُعنّف أحداً منهم.

 

فهؤلاء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، حجةٌ في فهم العربية، سمعوا من أفصح العرب قاطبةً جملة مكونةً من بعض كلمات فاختلفوا في فهمها!! ولم يعنف الرسول الكريم الحكيم إحدى الطائفتين؛ لأنه يعلم أنّ الأفهام مختلفة، مع أن الذين صلَّوا في الطريق خالفوا (ظاهر) الأمر النبوي المؤكَّد!!.

 

يقول الأستاذ عمر عبيد حسن في تقديمه لكتاب: أدب الاختلاف في الإسلام:

«إن الاختلاف بوجهات النظر – بدل أن يكون ظاهرة صحة تُغني العقل المسلم بخصوبة في الرأي، والاطلاع على عدد من وجهات النظر، ورؤية الأمور من أبعادها وزواياها كلّها، وإضافةِ عقولٍ إلى عقل – انقلب عند مسلم عصر التخلّف إلى وسيلة للتآكل الداخلي، والإنهاك، وفرصة للاقتتال، حتى كاد الأمر يصل ببعض المختلفين إلى حدّ التصفية الجسدية، وإلى الاستنصار والتقوّي بأعداء الدين على صاحب الرأي المخالف، ولهذا في التاريخ القريب والبعيد شواهد. فكثيراً ما يعجزُ الإنسان عن النظرة الكلية السّوية للأمور، والرؤية الشاملة للأبعاد المتعددة، فيقبع وراء جزئية يضخّمها، ويكبّرها حتى تستغرقه إلى درجة لا يمكن معها أن يرى شيئاً آخر، أو إنساناً يرى رأياً آخر، وقد تصل به إلى أن يرى – بمقايسات محزنة – أعداءَ الدين أقرب إليه من المخالفين له بالرأي من المسلمين الذين يلتقون معه على أصول العقيدة نفسها»!.

 

وحسبنا الله ونعم الوكيل.

------------------------------------

د. أحمد البراء الأميري 

المصدر: شبكة الألوكة

Powered by Froala Editor