إطلاق تجريبي
قال الذهبي في ترجمة مؤلف الكتاب :
الإمام، العلامة، الحافظ، شيخ الإسلام، أبو القاسم إسماعيل بن محمد بن الفضل بن علي بن أحمد بن طاهر القرشي، التيمي، ثم الطلحي ، الأصبهاني، الملقب: بقوام السنة.
مولده: في سنة سبع وخمسين وأربع مائة .
قال أبو موسى المديني: أبو القاسم إسماعيل الحافظ إمام أئمة وقته، وأستاذ علماء عصره، وقدوة أهل السنة في زمانه، حدثنا عنه جماعة في حال حياته، أصمت في صفر سنة أربع وثلاثين وخمس مائة، ثم فلج بعد مدة، ومات يوم النحر، سنة خمس وثلاثين، واجتمع في جنازته جمع لم أر مثلهم كثرة.
وكان أبوه أبو جعفر محمد صالحا ورعا، سمع من سعيد العيار، وقرأ القرآن على أبي المظفر بن شبيب، وتوفي في سنة إحدى وتسعين وأربع مائة … ، إلى أن قال: ووالدته كانت من ذرية طلحة بن عبيد الله التيمي؛ أحد العشرة رضي الله عنهم.
قال أبو موسى: ولا أعلم أحدا عاب عليه قولاً ولا فعلاً، ولا عانده أحد إلا ونصره الله، وكان نزه النفس عن المطامع، لا يدخل على السلاطين، ولا على من اتصل بهم، قد أخلى دارا من ملكه لأهل العلم مع خفة ذات يده، ولو أعطاه الرجل الدنيا بأسرها لم يرتفع عنده، أملى ثلاثة آلاف وخمس مائة مجلس، وكان يملي على البديهة .
وقال الحافظ يحيى بن مندة: كان أبو القاسم حسن الاعتقاد، جميل الطريقة، قليل الكلام، ليس في وقته مثله .
قال أبو سعد السمعاني: أبو القاسم هو أستاذي في الحديث، وعنه أخذت هذا القدر، وهو إمام في التفسير والحديث واللغة والأدب، عارف بالمتون والأسانيد، كنت إذا سألته عن المشكلات، أجاب في الحال، وهب أكثر أصوله في آخر عمره، وأملى بالجامع قريبا من ثلاثة آلاف مجلس ، وكان أبي يقول: ما رأيت بالعراق من يعرف الحديث ويفهمه غير اثنين: إسماعيل الجوزي بأصبهان، والمؤتمن الساجي ببغداد.
وقال محمد بن عبد الواحد الدقاق: كان أبو القاسم عديم النظير، لا مثل له في وقته، كان ممن يضرب به المثل في الصلاح والرشاد .
وقال أبو طاهر السلفي: هو فاضل في العربية ومعرفة الرجال.
وقال أبو عامر العبدري : ما رأيت أحدا قط مثل إسماعيل، ذاكرته، فرأيته حافظا للحديث، عارفا بكل علم، متفننا، استعجل عليه بالخروج.
كتاب الحجة في بيان المحجة
اختار المهذِّب كتاب الأصبهاني ، لسببين:
أوّلهما: التعريف بهذا الإمام الجهبذ وكتابه الّذي نقل عنه الأئمّة واعتمدوه مصدرا من مصادر عقيدة أهل السنة والجماعة.
الثاني: أنّ هذا الكتاب على جلالته لم يُكتب له الانتشار والحظوة في أيدي كثير من طلبة العلم بسبب عدم ترتيب مادته العلمية، وهو أمر أثار استغرابي إذ المصنف رحمه الله يفرق المواضيع ويكررها أحيانا ويباعد بين فقرات الموضوع الواحد، حتى خُيّل إليّ أنّه لم يبيّضه وإنّما كان أشبه ما يكون بملزمة الفوائد.
ولأنّ كثيراً من نصوصه لم يُخرج التخريج اللائق خاصة الآثار.
فعمل على جمع الفقرات ذات الموضوع الواحد أو المتقاربة إلى بعضها البعض قدر الإمكان، حتى رتب أبوابه وجمع ما تناثر من فصوله تحتها، قبل أن يشرع في تهذيبه وفق المنهج الّذي اخترته في تهذيب هذه المصنفات.
أهمية الكتاب
يعدُّ هذا الكتاب من أهم المصادر في تقرير عقيدة السلف، والرد على أهل الأهواء والبدع، وتبرز قيمته العلمية من خلال الموضوعات التي يعالجها والمسائل التي يتطرق إليها، فهو يعدَّ موسوعة في عقيدة أهل السنة والجماعة، وذلك لأنه تطرق لأغلب مسائل العقيدة وفق منهج السلف الصالح، مدللاً لها من الكتاب والسنة وأقوال الصحابة والتابعين وأئمة المسلمين من بعدهم، فهو من أقدم مصادر أهل السنة الكبيرة التي نهجت نهج المحدِّثين ، وتوسعت في ذكر الأخبار المسندة ، وبذا أصبح مصدرًا رئيسًا وأصيلًا لعقائد السلف الصَّالح ، ولهذا سمعه الشيوخ وأسمعوه ، ونسخه النُّسَّاخ وكتبوه ، وتناولته أيدي طلبة العلم ، وحرِصَ عليها كلّ مَن يعرف قيمة الإسناد ، وقيمة الخبر المسند عند أهل العلم ـ من السَّلفيِّين خاصَّةً ـ .
ولكنّ جمهور الناشئة قد انصرفوا عن كتاب الشريعة وأمثاله من مصنفات أئمّة السلف مثل كتاب الإبانةلابن بطة، وكتاب شرح أصول الاعتقاد لللالكائي وكتاب الشريعة للآجري لأسبابٍ عدة ، منها كِبر حجم هذه الكتب ، وما طُبع منها في مجلد أو اثنين فطبعته سيئة ، وحروفه صغيرة ، وأسطره كثيرة ؛ مما يصرف عنه الناظر فيه .
ومنها سعر الطبعات المحققة من هذه الكتب ، وكثيراً ما يكون في غير متناول غالب الطلبة.
ومنها طبيعة تلك المصنفات التي يكثر فيها سَوْق الأسانيد ، وتكرار المتون ، وتقطيعها أحيانًا، مما لا تطيقه طبيعة أغلب الناشئة هذه الأيام .
ولهذا ؛ كان من الواجب في نظر الدكتور أحمد الزهراني إزاحة العوائق التي تحول بين الشباب المسلم وبين هذه المصنفات التي تعتبر ـ بحقٍّ ـ خامة أهل الإسلام ، خاصة في أمور العقيدة والأصول ، وهذا ما يحققه التهذيب لهذه المصنفات وتقريبها للأمَّة .
وقد اجتهد أن يحقِّقَ في عمله غرضين أساسيين :
أوّلهما : أختصار الكتاب ـ قدر الإمكان ـ ، والتقليل من حجمه بالاستغناء عمّا يغني عنه غيره .
والآخر : أن لا يهمل من كلام المصنف ولا من الأخبار التي أوردها كلمة واحدة .
ولهذا سلك في التهذيب منهجًا يحسب أنّه حقق الهدف من التهذيب بدرجة كبيرة ، وهو منهج الشيخ العلَّامة محمد ناصر الدين الألباني ـ رحِمَه الله ـ في اختصاره ( صحيح البخاري ) ، ومنهج الإمام الذَّهبيِّ في اختصاره أسانيد ( سنن البيهَقِيِّ ) ويمكن تلخيص ذلك فيما يأتي :
منهج التهذيب
أ - دمج الحديث المكرر عن صحابي واحد ، فرواية الصحابي يعدُّها حديثًا مستقلًا.
ب- إذا كان في النص المكرر زيادة دُمجت في النص المختار إذا أمكن ، دون تمييز لها ، وإن لم يمكن دمجها نبه عليها بعد الرواية التي بمعناها مباشرة ، ووضعها بين قوسين .
- لا يراعي التقديم والتأخير بين ألفاظ الروايات ، فما كان في بعضها متقدمًا وفي بعضها متأخرًا من ألفاظ الحديث ؛ قدم المتأخر أو العكس حتى يصبح لفظ الحديث مُتَّسِقًا.
- إذا كان الفعل مبنيًا للمجهول في رواية وللمعلوم في الأخرى ؛ اعتبرها زيادة لا رواية أخرى ، فإذا كان في النص (قيل يا رسول الله ...) وفي رواية : (قلتُ...) أو : (قال فلان ...) أخذ الأخيرة وأهملت المبني للمجهول .
- ما يضعه بين قوسين من الروايات لا أثر له في إعراب ما بعده ، بل الكلمة التي تليه تأخذ إعرابها حسب موقعها ، لو حُذِف ما بين القوسين .
ج – اتبع في الآثار مثل الأحاديث ، لكن بغضّ النظر عن تعدّد الرواة عنه ، أو تعدّد المسائل أو الوقائع ، فيعتبره واحدًا ولا يعامله معاملة الحديث .
د- إذا تكرر الحديث في أكثر من باب ذكره في أليقهما به إذا كان في الباب غيره مما يغني عنه .
هـ - بالنسبة للتخريج : فقد خرَّج النصوص تخريجًا مختصرًا ، والغرض منه ذكر أماكن ورود النص ، وقد يتوسع لفائدة .
- كما أنه يعني بالتخريج أصل الحديث ، وإن كان في الموضع المخرج منه زيادة عن الأصل أغفلها غالبًا ، وإن كان عند المصنف زيادة عني بها .
- فإن كانت الزيادات صحيحة عنده لم يميز بينها في العزو ، وإن كان بعضها ضعيفًا تكلم عنها وذكر إسنادها وعلتها .
- يحذف من الإسناد ما لا أثر له في الحكم على الخبر ، ويورد ما سيتكلم عليه ، أو ما كان مدار الحديث عليه .
- إذا كان الحديث في الصحيحين أو أحدهما اكتفيى به ، وخرّجه منها مباشرة دون العناية بإسناد المصنف ، إلا إن كان عنده زيادة عليهما ، أو سياق مختلف ، أو نحو ذلك .
- إذا لم يكن في الصحيحين ؛ فإن كان في أحد السنن الأربعة أو مسند أحمد اكتفيت به ولم أجاوزه ؛ إلا إن كان في رواية المصنف زيادة أو اختلاف لفظ أو نحو ذلك ، فأحرص على تخريجه من أي مصدر .
و- الإبقاء على النصوص الضعيفة والموضوعة كما رواها المؤلف مع بيان حكمها .
ز- الترقيم : قام بترقيم ما رواه الآجرّي مسندًا فقط ، ووضع بعده رقم الحديث أو الأثر ـ كما في الأصل ـ ؛ ليعرف القارئ النصوص التي تم دمجها ، واختار ترقيم طبعة الدكتور ( الدميجي ) لشهرتها في أيدي طلبة العلم .
ح- عدم التعليق على الكتاب إلّا لمامًا .
ط - الاعتماد في النص على عدة طبعات ، وأجودها طبعة الدكتور ( عبد الله ) وطبعة الشيخ ( سيف النصر ) .
ي - في عزو التراجم وتفسير الآيات : فكل قول ورد في ترجمة راوٍ ذكره بلا عزوٍ ـ إن كان وارداً في ترجمته ـ ، وكذلك كلّ قول أو أثر في تفسير آية أنسبه للكتاب فقط ـ إن كان في تفسير نفس الآية ـ ، ولا يعزو إلا إن كان في غير مظانِّه .
ك - بالنسبة لتراجم الرجال : فلم يترجم إلاّ ما له أثر في التصحيح والتضعيف .
ل - النصوص المقتبسة ربما لا يعزوها إن كانت في مصنف صغير يمكن للباحث أن يجده بلا تعب ، كذلك لا يعزو إذا أشار إلى مكانه وكان مرتبًا ، كأن يشير إلى الفصل أو الباب أو المسألة ، أما إن كان في غير مظانِّه فيعزو بالصفحة ، أو كان في مصنف غير مرتب وكان كبيراً .
وصلّى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلّم .
Powered by Froala Editor
Powered by Froala Editor
Powered by Froala Editor
قم بتسجيل الدخول حتى تستطيع التعليق