إطلاق تجريبي
8998
منذ 9 أشهر
لماذا الكتاب الإلكتروني ؟
من الصعب جدا إقناع القراء ومدمني القراءة بتقبّل فكرة الانتقال من الكتاب الورقي إلى الكتاب الإلكتروني، ذلك أن المسألة لا ترجع إلى العامل الحسي فقط، أعني العوامل الاقتصادية أو الفنية التقنية، لأنّ كل هذه العوامل ترجّح كفة الكتاب الإلكتروني بلا مرية .
وإنّما الأمر راجع إلى العامل النفسي، من وجه الميل إلى عدم التغيير ، أفضل اللحظات هي التي يقضيها القارئ بين الكتب الورقية الكثيرة في حجرة صغيرة تفوح منها رائحة الغبار المختلط بالورق القديم.
ومن وجه ثانٍ سهولة حمل الكتاب الورقي والاستمتاع بتقليب الصفحات ورائحة الورق المعروفة، كل ذلك بلا شاحن ولا كهرباء وفي كل أوضاع الإنسان، وأمر ثالث هو الخوف على الثقافة والقراءة وضياع هيبة الكتاب، لأنّ النشر الإلكتروني ميسر لكل أحد أمّا النشر الورقي فغالبا لا يقدم عليه التاجر أو غيره إلاّ للعلماء وأصحاب التخصص.
وكل هذا مُقدّر وصحيح ولا يناقش فيه أحد، لكننا الآن لسنا في وارد الاستبدال، وإنّما يهمنا أن نقدّر هذا الوافد الجديد الذي فرض نفسه وهو الكتاب الإلكتروني سواء كان صغيرا أو كبيرا، ومزاحمته للكتب الورقية.
إذ للكتاب الإلكتروني -أياً كان- ميزات لا يجاريه فيها الكتاب الورقي تجعل من الواجب على القارئ أو المؤلف -وهما قطبا القضية الثقافية- التصالح معه والإفادة منه وأن لا يصدقوا الدعاية المضادة من تجار الورق خاصة من الناشرين الذين يضرهم الإقبال على الكتاب الإلكتروني إذ يفقدهم جزءا من أرباحهم.
وعلى وجه العموم فالكتاب الإلكتروني لا يجب أن يُنظر إليه كعدو للكتاب الورقي، بل يجب أن ينظر إليه كشريك في عملية النشر وأن يكون له حصته التي يستحقها بماله من الميزات التي أجملها في عشر نقاط دون مراعاة ترتيب :
أولا: التحديث المستمر والسريع
هل مر بك كتاب فيه أخطاء طباعية أو لغوية أو حتى علمية ؟ كل من يعاني أمر الكتب يعرف كم يقع في الكتب من هذه الأخطاء، وكثير منها لا يُكتشف إلاّ بعد توزيع الآلاف من النسخ، بل حتى لو عُرف قبل ذلك فإنّ الناشر التاجر لن يقبل إلا بتوزيع الكتاب، والأمين منهم من يطبع ورقة تصحيح توزع مع الكتاب، وسيظل تصحيح تلك الأخطاء رهن نفاد نسخه وطبعه مرة أخرى، وحتى إذا طبع فكثير من الناشرين لا يعبأ برأي المؤلف فيطبع المزيد دون تصحيح تفاديا لتكلفة إعادة الصف وغير ذلك .
أمّا الكتاب الإلكتروني فيمكن تصحيحه وتحديثه على مدار الساعة ، ولا يكلف الناشر أو المؤلف أيّ تكلفة مادية أو نوعية .
وهذا مفيد للناشر والمؤلف كما قلت من الناحية الأدبية والتجارية .
ومفيد كذلك للقارئ إذ يكون لديه ثقة في مراجعة الكتاب، والقدرة على الحصول على نسخة محدثة باستمرار دون أية تكلفة إضافية، ويمكنه كذلك تصحيح الكتاب وكتابة المراجعات في نفس موقع النشر في حال لم يستجب الناشر للتصحيح لخلاف علمي أو غير ذلك.
كل هذا دون أن يضطر لانتظار سنوات لأجل صدور طبعات أخرى أو أن يدفع المزيد من الأموال لاقتناء النسخة المصححة.
كذلك يفيده الكتاب الإلكتروني في حال وجود تحقيقات عدة لنص واحد إذ لا يضطر إلى شراء كل التحقيقات والإصدارات بل يشتري الأفضل ثم يقتني البقية في كتب إلكترونية تمكنه من المقابلة والمقارنة في حال الشك في قراءة النص المطبوع.
ثانيا: سهولة الحصول عليه
كم من الكتب نسمع عنها ولا نستطيع الوصول إليها، بل كم منها لم نسمع بها لأنها موجودة في مكاتب ومتاجر بعيدة عنّا، وفي حال علمنا بمكان بيعها أو توزيعها نضطر للسفر أو قطع مسافات طويلة أو توكيل أشخاص آخرين بالبحث والشراء والإرسال . مع مافي ذلك من مخاطر الفقد أو التلف أو الخطأ في الكتاب .
وهذا كله لا يعاب به الكتاب الإلكتروني، إذ يمكن لشخص في أقصى الأرض بل وفي قرى نائية عن المدينة أن يحصل على ما شاء من الكتب سواء تلك المجانية أو بمقابل، كما يستطيع الاطلاع على الجديد في كل علم من خلال المتاجر الإلكترونية العديدة أو من خلال مواقع النشر أو مواقع المؤلفين وغير ذلك .
لا يكلفه الأمر سوى اتصاله بشبكة الإنترنت وجهاز كمبيوتر أو حتى هاتف ذكي، ليصل إلى ما شاء من المتاجر ومواقع الكتب فيتصفح ويحصل على ما شاء من قديم الكتب وحديثها بمقابل أو دون مقابل.
ثالثا: القدرة على التواصل مع المؤلف والناشر
هذه الميزة بالذات من أهم الميزات التي يمتاز بها النشر الإلكتروني، فكثيرا ما تعجز عن التواصل مع الناشر والمؤلف لتصحيح أو لسؤال أو غير ذلك.
بينما النشر الإلكتروني الذي يكون في موقع المؤلف نفسه أو المتجر الإلكتروني يمكنك من التواصل مع مؤلف الكتاب أو كاتب المقال أو الناشر بيسر وسهولة سواء لتصحيح الأخطاء أو السؤال عن أي شيء يخص الكتاب فنياً أو علمياً أو غير ذلك.
رابعا: تكلفة الحصول عليه منخفضة
الكتاب الإلكتروني أقل تكلفة من كل النواحي على الناشر أو القارئ، وذلك أنّه يختصر ثمن الورق والشحن والحبر والنقل والتخزين، ولا يتعرض للتلف أو الاحتراق أو الفقد.
بعكس الكتاب الورقي الذي حتى لو كان مجانيا من جهة فهو مكلف على المتبرع الذي سيدفع تكاليف الطباعة والنقل والتوزيع .
خامسا: لا يشغل حيزاً
الكتاب الورقي مكلف في الحصول عليه ومكلف أيضا في خزنه والاحتفاظ به، إذا يشغل حيزا ويحتاج إلى رعاية ، وهذا لايناسب غالب البيوت، وأنا لا أتحدث عن كتب محدودة العدد أو كتب لا أهمية للاحتفاظ بها، كالروايات أو المجلات، وإنما عن الكتب العلمية والمراجع والمصادر وبعضها ضخم الحجم عديد الأجزاء وكم منا لا يقتني الكتب لأنّه ليس لديه لها مكان، ونعرف من تبرع بمكتبته أو بجزء منها لأنها أصبحت عبئا عليه في الحفظ والتنقل .
أمّا الكتاب الإلكتروني فإنّه سيّدٌ في هذا المجال إذ تستطيع حفظ مئات الآلاف من الكتب والمراجع في قطعة صغيرة لا تتجاوز حجم اليد الواحدة وإن زاد فلن يزيد على حجم حقيبة صغيرة لو طبعت لكانت ملأ مستودع كبير، وهذا يمكّن المتخصص والباحثين من اقتناء عدد لا محدود من الكتب .
سادسا: سهولة التنقل به
وما قلنا آنفا ينسحب على التنقل بالكتب، وفي سير العلماء الأولين عجب من قصص تنقل بعضهم بالجمال أو السفن المحملة بالكتب التي يحتاجها في سفره.
أمّا الكتاب الإلكتروني فحفيف الحمل ، بل إنّك لا تحتاج أن تنتقل به أصلا مع تقنيات الخزن السحابي أو على مواقع الإنترنت، فهي موجودة في انتظار من أراد تصفحها أو تنزيلها والاحتفاظ بها.
وهذا يسهل كذلك التعامل بها إهداء وبيعا وإيصالها لمن شئت في أيّ مكان وفي أيّ وقت.
سابعا: الشكل والإخراج
كثيرا ما يصادفك كتاب مبهر في مضمونه لكنّك تصدّ عنه بسبب سوء إخراجه إما بسبب رداءة الورق أو الحبر المستخدم أو التغليف أو الألوان، أو انحشار الكلمات والأسطر، وذلك لأنّ الطباعة الورقية تختلف جودتها بحسب تكلفتها، وقد لا يكون بيد الناشر أو المؤلف المال اللازم بسبب ضخامة الكتاب أو ضعف ذات يد المؤلف والناشر أو لعدم إحساس الناشر باستحقاق الكتاب وموضوعه أو مؤلفه لأن ينفق عليه مالاً زائدا في تنسيقه وأحباره وورقه وتغليفه.
وهذا كله منعدم في حال الكتاب الإلكتروني الذي يمكنك صناعته بأعلى مقاييس الدقة والألوان والصفحات والتنسيق الرقمي وغير ذلك دون أية تكلفة زائدة فيخرج الكتاب بما يليق بموضوعه أيا كان .
ثامنا: سهولة التوزيع
كثير ما تكسد المطبوعات الورقية بسبب سوء التوزيع أو صعوبته لعوامل كثيرة منها حجم الكتاب الذي يزيد تكلفة الشحن أو لسوء الأحوال الأمنية مثلا كما في حال البلاد غير المستقرة، أو بسبب عدم المعرفة بمناطق شيوع موضوع الكتاب .
أمّا الكتاب الإلكتروني فهذا في حقه منعدم إذ يمكن توزيعه ووضعه في كل المواقع التي تستقطب القراء أو المواضيع التي ناقشها الكتب ويمكن الإعلان عنه في شتى المواقع بكل اللغات ليصل إلى كل البلاد دون تكاليف جمركية أو شحن أو بحث عن مراكز بيع أو غير ذلك.
تاسعا: ملاحقة الاعتداء على حقوق المؤلف
من العوامل التي تؤدي إلى إحجام الناشرين عن نشر الكتب: كثرة السرقة، إذ يسطو ناشرون في بلاد بعيدة عنهم على طبعة الكتاب فيطبعونه لحسابهم ويبيعونه، وهذا إضافة إلى حرمان المؤلف والناشر من حقهم في الكتاب فهو يؤثر على الطبعة المشروعة كذلك .
وهذا يصعب العلم به وإذا علم يصعب الحدّ منه أو منعه في غالب البلاد للأسف.
أمّا الكتاب الإلكتروني فيستطيع الناشر تتبع شبكة الإنترنت باستمرار ومعرفة مواقع تواجد الكتاب فيها ومن ثم ملاحقة من ينشره في موقعه أو صفحته سواء بمقابل أو بدون مقابل، وقوانين الحماية الفكرية تطورت بشكل كبير في السنوات الأخيرة .
عاشرا: البحث فيه
وهذه الميزة بالذات لا يدركها الكتاب الورقي ولو بعد عقود ، فميزة الكتاب الإلكتروني أنّك تستطيع البحث فيه عن أي معلومة سواء بالكلمة أو حتى بالموضوع وذلك في ثوانٍ معدودة، مهما بلغ حجم الكتاب أو المجاميع التي تستهدفها بالبحث فيها.
وكم من معلومة يندّ عنها النظر أو يسهو العقل أثناء البحث عنها يقف لها البحث الألكتروني بالمرصاد فيصطادها من بين ملايين غيرها ويجمعها من كل المصادر ولو بالمئات.
وهذا يوفر وقت الباحث وجهده ويجعله يركّزهما على التأليف والربط والتحليل، فأصبح البحث الذي كان يستغرق الأيام في كتابته لا يأخذ من الباحث الجيد سويعات .
هذا كله بطبيعة الحال ليس ممكنا لكلّ أحد بل الكتاب الإلكتروني كالورقي يحتاج الباحث فيه إلى أدبيات ومهارات حتى يستخرج منه المعلومة الضائعة، وإنّما غرضي الحديث عنه من حيث هو .
هذا ماعندي في شأن الكتاب الإلكتروني وقد يكون لغيري رأي آخر، أو إضافات ويكفي من القلادة ما أحاط بالعنق، والله أعلم.
Powered by Froala Editor
Powered by Froala Editor
Powered by Froala Editor