إطلاق تجريبي
الآجُرّي هو الإمام المحدث القدوة شيخ الحرم أبو بكر محمد بن الحسين بن عبد الله الآجري البغدادي، و (الآجُرِّي) بفتح أوله ممدودا، وضم الجيم، وكسر الراء المشددة، نسبة إلى قرية من قرى بغداد يقال لها (الآجُرّ)، ودرب الآجُرِّ محلة كانت ببغداد من محال نهر طابق بالجانب الغربي، يسكنها غير واحد من أهل العلم، وهو الآن خراب قاله ياقوت الحموي في معجم البلدان.
كان الآجري من المحدّثين في بغداد قبل أن يهجرها إلى مكة حيث أقام وحدث ببغداد قبل سنة ثلاثين وثلاثمائة (330 هـ)، ثم انتقل حاجا إلى مكة سنة ثلاثين وثلاثمائة (330 هـ)، فأعجبته، فقيل "انه سأل الله أن يرزقه الإقامة بها سنة، فأقام بمكة مجاورا ثلاثين عاما حتى كانت وفاته بها.
و كان مولده سنة (280 هـ) ببغداد، أو سنة (264 هـ)، وما يقوي فرضية ولادته سنة (280 هـ) قول الذهبي في السير (16/135): مات بمكة في المحرم سنة ستين وثلاثمائة. وكان من أبناء الثمانين، وعلى هذا فيكون مولده سنة (280هـ) تقريباً.
ألّف الآجري كتابه "الشريعة" ، لما رآه من انتشار البدع والأهواء في عصره، وظهور الفرق الضالة المناوئة لأهل السنة والجماعة.
لبّست هذه الفرق على كثير من الناس أمر دينهم، وأورثوهم الشكّ في أصوله، وأثارت عليهم الشبه، وجادلوا بالمتشابه، فانبرى لهم الإمام الآجري وقدّم لأهل عصره هذا الكتاب العظيم منافحا فيه عن دين الله، قال الإمام الآجري في مقدمة كتابه: « قد رسمت في هذا الكتاب –وهو كتاب الشريعة– من أوله إلى آخره، ما أعلم أن جميع من شمله الإسلام محتاج إلى علمه لفساد مذاهب كثير من الناس، ولما قد ظهر كثير من الأهواء الضالة والبدع المتواترة ما أعلم أن أهل الحق تقوي به نفوسهم، ومقمعة لأهل البدع والضلالة على حسب ما علمني الله عز وجل، فالحمد لله على ذلك».
تضمّن الكتاب غالب أبواب العقيدة على منهج السلف الصالح، كما تضمّن الرد على جملة أهل البدع والفرق الضالة.
فضمّنه الحديث عن الإيمان والكفر ومسائله التي انحرف فيها الخوارج والمعتزلة إفراطاً، والجهمية والمرجئة تفريطا.
وتناول كذلك أبواب الأسماء والصفات، ومقالات الفرق الضالة فيها، وشغلت مسألة القرآن وكلام الله مساحة كبيرة من الكتاب.
وتضمن كذلك الحديث عن مسائل القضاء والقدر، وردّ فيها على القدرية والجبرية وأورد النصوص المفنّدة بدعتهما.
وشمل ايضا بيان منزلة الصحابة والمسائل المتعلقة بها، والإمامة، وأهل البيت، وبقية المسائل التي تميز بها أهل السنة عن فرق الرافضة.
أورد كل ذلك ودلل عليه بالأسانيد والحجج الواضحة والبراهين البينة التي يقبلها كل عقل سليم منصف.
تهذيب الشريعة
يعدُّ هذا الكتاب من أهم المصادر في تقرير عقيدة السلف، والرد على أهل الأهواء والبدع، وتبرز قيمته العلمية من خلال الموضوعات التي يعالجها والمسائل التي يتطرق إليها، فهو يعدَّ موسوعة في عقيدة أهل السنة والجماعة، وذلك لأنه تطرق لأغلب مسائل العقيدة وفق منهج السلف الصالح، مدللاً لها من الكتاب والسنة وأقوال الصحابة والتابعين وأئمة المسلمين من بعدهم، فهو من أقدم مصادر أهل السنة الكبيرة التي نهجت نهج المحدِّثين ، وتوسعت في ذكر الأخبار المسندة ، وبذا أصبح مصدرًا رئيسًا وأصيلًا لعقائد السلف الصَّالح ، ولهذا سمعه الشيوخ وأسمعوه ، ونسخه النُّسَّاخ وكتبوه ، وتناولته أيدي طلبة العلم ، وحرِصَ عليها كلّ مَن يعرف قيمة الإسناد ، وقيمة الخبر المسند عند أهل العلم ـ من السَّلفيِّين خاصَّةً ـ .
ولكنّ جمهور الناشئة قد انصرفوا عن كتاب الشريعة وأمثاله من مصنفات أئمّة السلف مثل كتاب الإبانة لابن بطة، وكتاب شرح أصول الاعتقاد لللالكائي لأسبابٍ عدة ، منها كِبر حجم هذه الكتب ، وما طُبع منها في مجلد أو اثنين فطبعته سيئة ، وحروفه صغيرة ، وأسطره كثيرة ؛ مما يصرف عنه الناظر فيه .
ومنها سعر الطبعات المحققة من هذه الكتب ، وكثيراً ما يكون في غير متناول غالب الطلبة.
ومنها طبيعة تلك المصنفات التي يكثر فيها سَوْق الأسانيد ، وتكرار المتون ، وتقطيعها أحيانًا، مما لا تطيقه طبيعة أغلب الناشئة هذه الأيام .
ولهذا ؛ كان من الواجب في نظر الدكتور أحمد الزهراني إزاحة العوائق التي تحول بين الشباب المسلم وبين هذه المصنفات التي تعتبر ـ بحقٍّ ـ خامة أهل الإسلام ، خاصة في أمور العقيدة والأصول ، وهذا ما يحققه التهذيب لهذه المصنفات وتقريبها للأمَّة .
وقد اجتهد أن يحقِّقَ في عمله غرضين أساسيين :
أوّلهما : أختصار الكتاب ـ قدر الإمكان ـ ، والتقليل من حجمه بالاستغناء عمّا يغني عنه غيره .
والآخر : أن لا يهمل من كلام المصنف ولا من الأخبار التي أوردها كلمة واحدة .
ولهذا سلك في التهذيب منهجًا يحسب أنّه حقق الهدف من التهذيب بدرجة كبيرة ، وهو منهج الشيخ العلَّامة محمد ناصر الدين الألباني ـ رحِمَه الله ـ في اختصاره ( صحيح البخاري ) ، ومنهج الإمام الذَّهبيِّ في اختصاره أسانيد ( سنن البيهَقِيِّ ) ويمكن تلخيص ذلك فيما يأتي :
منهج التهذيب
أ - دمج الحديث المكرر عن صحابي واحد ، فرواية الصحابي يعدُّها حديثًا مستقلًا.
ب- إذا كان في النص المكرر زيادة دُمجت في النص المختار إذا أمكن ، دون تمييز لها ، وإن لم يمكن دمجها نبه عليها بعد الرواية التي بمعناها مباشرة ، ووضعها بين قوسين .
- لا يراعي التقديم والتأخير بين ألفاظ الروايات ، فما كان في بعضها متقدمًا وفي بعضها متأخرًا من ألفاظ الحديث ؛ قدم المتأخر أو العكس حتى يصبح لفظ الحديث مُتَّسِقًا.
- إذا كان الفعل مبنيًا للمجهول في رواية وللمعلوم في الأخرى ؛ اعتبرها زيادة لا رواية أخرى ، فإذا كان في النص (قيل يا رسول الله ...) وفي رواية : (قلتُ...) أو : (قال فلان ...) أخذ الأخيرة وأهملت المبني للمجهول .
- ما يضعه بين قوسين من الروايات لا أثر له في إعراب ما بعده ، بل الكلمة التي تليه تأخذ إعرابها حسب موقعها ، لو حُذِف ما بين القوسين .
ج – اتبع في الآثار مثل الأحاديث ، لكن بغضّ النظر عن تعدّد الرواة عنه ، أو تعدّد المسائل أو الوقائع ، فيعتبره واحدًا ولا يعامله معاملة الحديث .
د- إذا تكرر الحديث في أكثر من باب ذكره في أليقهما به إذا كان في الباب غيره مما يغني عنه .
هـ - بالنسبة للتخريج : فقد خرَّج النصوص تخريجًا مختصرًا ، والغرض منه ذكر أماكن ورود النص ، وقد يتوسع لفائدة .
- كما أنه يعني بالتخريج أصل الحديث ، وإن كان في الموضع المخرج منه زيادة عن الأصل أغفلها غالبًا ، وإن كان عند المصنف زيادة عني بها .
- فإن كانت الزيادات صحيحة عنده لم يميز بينها في العزو ، وإن كان بعضها ضعيفًا تكلم عنها وذكر إسنادها وعلتها .
- يحذف من الإسناد ما لا أثر له في الحكم على الخبر ، ويورد ما سيتكلم عليه ، أو ما كان مدار الحديث عليه .
- إذا كان الحديث في الصحيحين أو أحدهما اكتفيى به ، وخرّجه منها مباشرة دون العناية بإسناد المصنف ، إلا إن كان عنده زيادة عليهما ، أو سياق مختلف ، أو نحو ذلك .
- إذا لم يكن في الصحيحين ؛ فإن كان في أحد السنن الأربعة أو مسند أحمد اكتفيت به ولم أجاوزه ؛ إلا إن كان في رواية المصنف زيادة أو اختلاف لفظ أو نحو ذلك ، فأحرص على تخريجه من أي مصدر .
و- الإبقاء على النصوص الضعيفة والموضوعة كما رواها المؤلف مع بيان حكمها .
ز- الترقيم : قام بترقيم ما رواه الآجرّي مسندًا فقط ، ووضع بعده رقم الحديث أو الأثر ـ كما في الأصل ـ ؛ ليعرف القارئ النصوص التي تم دمجها ، واختار ترقيم طبعة الدكتور ( الدميجي ) لشهرتها في أيدي طلبة العلم .
ح- عدم التعليق على الكتاب إلّا لمامًا .
ط - الاعتماد في النص على عدة طبعات ، وأجودها طبعة الدكتور ( عبد الله ) وطبعة الشيخ ( سيف النصر ) .
ي - في عزو التراجم وتفسير الآيات : فكل قول ورد في ترجمة راوٍ ذكره بلا عزوٍ ـ إن كان وارداً في ترجمته ـ ، وكذلك كلّ قول أو أثر في تفسير آية أنسبه للكتاب فقط ـ إن كان في تفسير نفس الآية ـ ، ولا يعزو إلا إن كان في غير مظانِّه .
ك - بالنسبة لتراجم الرجال : فلم يترجم إلاّ ما له أثر في التصحيح والتضعيف .
ل - النصوص المقتبسة ربما لا يعزوها إن كانت في مصنف صغير يمكن للباحث أن يجده بلا تعب ، كذلك لا يعزو إذا أشار إلى مكانه وكان مرتبًا ، كأن يشير إلى الفصل أو الباب أو المسألة ، أما إن كان في غير مظانِّه فيعزو بالصفحة ، أو كان في مصنف غير مرتب وكان كبيراً .
وصلّى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلّم .
Powered by Froala Editor
Powered by Froala Editor
Powered by Froala Editor
قم بتسجيل الدخول حتى تستطيع التعليق