إطلاق تجريبي
ابن بطة عبيد الله بن محمد بن محمد العكبري *
قال الذهبي: الإمام، القدوة، العابد، الفقيه، المحدث، شيخ العراق، أبو عبد الله عبيد الله بن محمد بن محمد بن حمدان العكبري الحنبلي، ابن بطة، مصنف كتاب (الإبانة الكبرى) في ثلاث مجلدات.
روى عن: أبي القاسم البغوي، وابن صاعد، وأبي ذر بن الباغندي، وأبي بكر بن زياد النيسابوري، وإسماعيل الوراق، والقاضي المحاملي، ومحمد بن مخلد، وأبي طالب أحمد بن نصر الحافظ، ومحمد بن أحمد بن ثابت العكبري، ورحل في الكهولة فسمع من علي بن أبي العقب بدمشق، ومن أحمد بن عبيد الصفار بحمص، وجماعة.
حدث عنه: أبو الفتح بن أبي الفوارس، وأبو نعيم الأصبهاني، وعبيد الله الأزهري، وعبد العزيز الأزجي، وأحمد بن محمد العتيقي، وأبو إسحاق البرمكي، وأبو محمد الجوهري، وأبو الفضل محمد بن أحمد بن عيسى السعدي، وآخرون، وآخر من روى عنه بالإجازة علي بن أحمد بن البسري.
قال عبد الواحد بن علي العكبري: لم أر في شيوخ الحديث ولا في غيرهم أحسن هيئة من ابن بطة رحمه الله .
قال الخطيب: حدثني أبو حامد الدلوي، قال: لما رجع ابن بطة من الرحلة لازم بيته أربعين سنة، لم ير في سوق ولا رؤي مفطرا إلا في عيد، وكان أمارا بالمعروف، لم يبلغه خبر منكر إلا غيّره .
وقال أبو محمد الجوهري: سمعت أخي الحسين يقول: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام، فقلت: يا رسول الله قد اختلفت علي المذاهب.
فقال: عليك بابن بطة، فأصبحت ولبست ثيابي، ثم أصعدت إلى عكبرا، فدخلت وابن بطة في المسجد، فلما رآني قال لي: صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال العتيقي: توفي ابن بطة - وكان مستجاب الدعوة - في المحرم سنة سبع وثمانين وثلاث مائة.
كتاب الإبانة
اسمه : (الإبانة عن شريعة الفرقة الناجية ومجانبة الفرق المذمومة) معروف بـ(الإبانة الكبرى)
هذا الكتاب يعد من أصول كتب أهل السنة و يعتبر موسوعة من موسوعات علماء الأثر في أبواب السنة و الاعتقاد و بيان اعتقاد أهل السنة
و قد سلك فيه ابن بطة رحمه الله مسلك الأئمة المتقدمين في اعتماده على الاحتجاج بالكتاب و السنة و آثار سلف الأمة و ترك الخوض في علوم أهل الكلام المحدث الذي أجمع أهل السنة على ذمه و التحذير منه و من أهله
فاحتج في بيان و نصرة عقيدة أهل السنة بالكتاب و السنة و الآثار ثم امتاز عن غيره ممن صنف في هذا الباب بكثرة ما يورده من النصوص و أقوال الأئمة مع حسن التبويب و الترتيب و التعليق بأوجز عبارة على كثير مما يحتج به من النصوص و الآثار فلم يجعله ككتب السنة المجردة عن التعليق و الشرح.
وبهذا أضحى من أهم المصادر في تقرير عقيدة السلف، والرد على أهل الأهواء والبدع، وتبرز قيمته العلمية من خلال الموضوعات التي يعالجها والمسائل التي يتطرق إليها، فهو يعدَّ موسوعة في عقيدة أهل السنة والجماعة، وذلك لأنه تطرق لأغلب مسائل العقيدة وفق منهج السلف الصالح، مدللاً لها من الكتاب والسنة وأقوال الصحابة والتابعين وأئمة المسلمين من بعدهم، فهو من أقدم مصادر أهل السنة الكبيرة التي نهجت نهج المحدِّثين ، وتوسعت في ذكر الأخبار المسندة ، حتى أصبح مصدرًا رئيسًا وأصيلًا لعقائد السلف الصَّالح ، ولهذا سمعه الشيوخ وأسمعوه ، ونسخه النُّسَّاخ وكتبوه ، وتناولته أيدي طلبة العلم ، وحرِصَ عليها كلّ مَن يعرف قيمة الإسناد ، وقيمة الخبر المسند عند أهل العلم ـ من السَّلفيِّين خاصَّةً ـ .
ولكنّ جمهور الناشئة قد انصرفوا عن كتاب الشريعة وأمثاله من مصنفات أئمّة السلف مثل كتاب الشريعة للآجري ، وكتاب شرح أصول الاعتقاد لللالكائي لأسبابٍ عدة ، منها كِبر حجم هذه الكتب ، وما طُبع منها في مجلد أو اثنين فطبعته سيئة ، وحروفه صغيرة ، وأسطره كثيرة ؛ مما يصرف عنه الناظر فيه .
ومنها سعر الطبعات المحققة من هذه الكتب ، وكثيراً ما يكون في غير متناول غالب الطلبة.
ومنها طبيعة تلك المصنفات التي يكثر فيها سَوْق الأسانيد ، وتكرار المتون ، وتقطيعها أحيانًا، مما لا تطيقه طبيعة أغلب الناشئة هذه الأيام .
ولهذا ؛ كان من الواجب في نظر الدكتور أحمد الزهراني إزاحة العوائق التي تحول بين الشباب المسلم وبين هذه المصنفات التي تعتبر ـ بحقٍّ ـ خامة أهل الإسلام ، خاصة في أمور العقيدة والأصول ، وهذا ما يحققه التهذيب لهذه المصنفات وتقريبها للأمَّة .
وقد اجتهد أن يحقِّقَ في عمله غرضين أساسيين :
أوّلهما : أختصار الكتاب ـ قدر الإمكان ـ ، والتقليل من حجمه بالاستغناء عمّا يغني عنه غيره .
والآخر : أن لا يهمل من كلام المصنف ولا من الأخبار التي أوردها كلمة واحدة .
ولهذا سلك في التهذيب منهجًا يحسب أنّه حقق الهدف من التهذيب بدرجة كبيرة ، وهو منهج الشيخ العلَّامة محمد ناصر الدين الألباني ـ رحِمَه الله ـ في اختصاره ( صحيح البخاري ) ، ومنهج الإمام الذَّهبيِّ في اختصاره أسانيد ( سنن البيهَقِيِّ ) ويمكن تلخيص ذلك فيما يأتي :
منهج التهذيب
أ - دمج الحديث المكرر عن صحابي واحد ، فرواية الصحابي يعدُّها حديثًا مستقلًا.
ب- إذا كان في النص المكرر زيادة دُمجت في النص المختار إذا أمكن ، دون تمييز لها ، وإن لم يمكن دمجها نبه عليها بعد الرواية التي بمعناها مباشرة ، ووضعها بين قوسين .
- لا يراعي التقديم والتأخير بين ألفاظ الروايات ، فما كان في بعضها متقدمًا وفي بعضها متأخرًا من ألفاظ الحديث ؛ قدم المتأخر أو العكس حتى يصبح لفظ الحديث مُتَّسِقًا.
- إذا كان الفعل مبنيًا للمجهول في رواية وللمعلوم في الأخرى ؛ اعتبرها زيادة لا رواية أخرى ، فإذا كان في النص (قيل يا رسول الله ...) وفي رواية : (قلتُ...) أو : (قال فلان ...) أخذ الأخيرة وأهملت المبني للمجهول .
- ما يضعه بين قوسين من الروايات لا أثر له في إعراب ما بعده ، بل الكلمة التي تليه تأخذ إعرابها حسب موقعها ، لو حُذِف ما بين القوسين .
ج – اتبع في الآثار مثل الأحاديث ، لكن بغضّ النظر عن تعدّد الرواة عنه ، أو تعدّد المسائل أو الوقائع ، فيعتبره واحدًا ولا يعامله معاملة الحديث .
د- إذا تكرر الحديث في أكثر من باب ذكره في أليقهما به إذا كان في الباب غيره مما يغني عنه .
هـ - بالنسبة للتخريج : فقد خرَّج النصوص تخريجًا مختصرًا ، والغرض منه ذكر أماكن ورود النص ، وقد يتوسع لفائدة .
- كما أنه يعني بالتخريج أصل الحديث ، وإن كان في الموضع المخرج منه زيادة عن الأصل أغفلها غالبًا ، وإن كان عند المصنف زيادة عني بها .
- فإن كانت الزيادات صحيحة عنده لم يميز بينها في العزو ، وإن كان بعضها ضعيفًا تكلم عنها وذكر إسنادها وعلتها .
- يحذف من الإسناد ما لا أثر له في الحكم على الخبر ، ويورد ما سيتكلم عليه ، أو ما كان مدار الحديث عليه .
- إذا كان الحديث في الصحيحين أو أحدهما اكتفيى به ، وخرّجه منها مباشرة دون العناية بإسناد المصنف ، إلا إن كان عنده زيادة عليهما ، أو سياق مختلف ، أو نحو ذلك .
- إذا لم يكن في الصحيحين ؛ فإن كان في أحد السنن الأربعة أو مسند أحمد اكتفيت به ولم أجاوزه ؛ إلا إن كان في رواية المصنف زيادة أو اختلاف لفظ أو نحو ذلك ، فأحرص على تخريجه من أي مصدر .
و- الإبقاء على النصوص الضعيفة والموضوعة كما رواها المؤلف مع بيان حكمها .
ز- الترقيم : قام بترقيم ما رواه الآجرّي مسندًا فقط ، ووضع بعده رقم الحديث أو الأثر ـ كما في الأصل ـ ؛ ليعرف القارئ النصوص التي تم دمجها ، واختار ترقيم طبعة الدكتور ( الدميجي ) لشهرتها في أيدي طلبة العلم .
ح- عدم التعليق على الكتاب إلّا لمامًا .
ط - الاعتماد في النص على عدة طبعات ، وأجودها طبعة الدكتور ( عبد الله ) وطبعة الشيخ ( سيف النصر ) .
ي - في عزو التراجم وتفسير الآيات : فكل قول ورد في ترجمة راوٍ ذكره بلا عزوٍ ـ إن كان وارداً في ترجمته ـ ، وكذلك كلّ قول أو أثر في تفسير آية أنسبه للكتاب فقط ـ إن كان في تفسير نفس الآية ـ ، ولا يعزو إلا إن كان في غير مظانِّه .
ك - بالنسبة لتراجم الرجال : فلم يترجم إلاّ ما له أثر في التصحيح والتضعيف .
ل - النصوص المقتبسة ربما لا يعزوها إن كانت في مصنف صغير يمكن للباحث أن يجده بلا تعب ، كذلك لا يعزو إذا أشار إلى مكانه وكان مرتبًا ، كأن يشير إلى الفصل أو الباب أو المسألة ، أما إن كان في غير مظانِّه فيعزو بالصفحة ، أو كان في مصنف غير مرتب وكان كبيراً .
وصلّى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلّم .
Powered by Froala Editor
Powered by Froala Editor
Powered by Froala Editor
قم بتسجيل الدخول حتى تستطيع التعليق